Admin المدير العام للموقع
Posts : 159 reputation : 3 Location : 10/01/2011
| موضوع: مظلوم الجمل 2011-08-28, 03:01 | |
| بينما كنت جالسا في أمان الله وسط الزروع والثمار.. وأمسك بكتابي أستذكر دروسي وسط الحقول.. حيث الهواء النقي والخضرة التي تبهج القلب وتسر النفس أقلب صفحات كتابي تستعصي علي ذهني مسألة وتستساغ له أخرى. وظللت أنتقل من صفحة إلى صفحة حتى تملكني الإرهاق الشديد وتباطأ عقلي في فهم ما أقرأ.. وتكاسلت عيناي عن رؤية الحروف والكلمات حتى اختلطت الأسطر أمام عيني.. فما عدت أفرق بين سطر وآخر فتداخل بعضها في بعض حتى هجم وحش النوم على عيني فالتهمها.. فأسلمت قيادها له فابتلعها في جوفه.. ورحت في سبات عميق. وما هي إلا لحظات معدودات لا أدرى كم هي حتى سمعت أذناي صراخا ً شديدا ً.. ففزعت منه أشد الفزع.. وقفزت من مكاني وهربت من وحش النوم الكاسر وهرولت تجاه الصراخ وعيناي ما زالتا تقاومان سلطان النوم العاتي. فما إن وصلت إلى مكان الصوت حتى رأيت جملا ً من الجمال يمسك بين فكيه أحد رجال القرية المساكين.. ويضغط عليه بأنيابه وأوشك على تمزيق أوصاله وتقطيعه أشلاءً.. والرجل يصرخ وهو يرى أنياب الجمل تطبق عليه بكل قوتها.. وإنسابت الدماء المختلطة بريق الجمل من بين أسنانه. اجتمع خلق كثير من شباب القرية ورجالها وانهالوا على الجمل ضربا ً بالعصى والكرابيج لعله يفلت الرجل من بين أنيابه.. ولكن دون جدوى. وأصبح الرجل متعلقا ً في الهواء بين فكي الجمل الذي أخذ يطوحه يمنة ويسرة كأنه كتكوت صغير.. وكلما ازداد الضرب في الجمل أحدث الجمل صوتا ً مفزعا ً شديدا ً يكاد يخلع القلوب.. والرجل يتطاير في الهواء لا حول له ولا قوة له.. واجتمعت النسوة وأخذن يصرخن صراخا شديدا ً أبكى الأطفال على صدور الأمهات. والجمل لا يظهر خوفا ً ولا جبنا ً.. بل يهجم على رجال القرية من حوله فيدهس هذا ويجرح ذاك.. مما جعل أهل القرية يصابون بالفزع أكثر وأكثر ويزداد حنقهم عل الجمل أكثر وأكثر. ولكن ما الحيلة وكيف السبيل ساعة كاملة والمعركة على أشدها بين الجمل ورجال القرية المساكين.. وكأن سياطهم التي ينهالون بها على جسد الجمل المتوحش ما هي إلا لفحة هواء تداعب الجمل العقور؟!! وازدادت جموع الناس حول الجمل حتى اجتمع الصبية الصغار وأخذوا يقذفون الجمل بالحجارة من بعيد.. خشية أن يصيبهم ما أصاب الرجل المسكين الذي مازال يتأرجح بين فكي الجمل.. كأنه حزمة من حشيش يلتهمها الجمل ويوشك على بلعها في بطنه التي تسع الكثير والكثير. وبينما الأطفال والرجال والنساء يواصلون محاولاتهم لإنقاذ الرجل الأسير.. إذا بحجر صغير ينطلق من بين أصابع طفل صغير كالسهم.. فيستقر في عين الجمل حتى جعل الجمل يصرخ صرخة أشبه بقنبلة مدوية أطارت كل من حولها وهرولوا جميعا ً.. وولوا الأدبار وأخذوا يرقبون المشهد من بعيد والجمل يدور ويخور. وكانت المفاجئة المذهلة التي فاجأتهم جميعا ً.. لقد قذف الجمل جسد الرجل وأفلته من بين أسنانه وأخذ يدور الجمل حول نفسه ويصرخ ويصرخ ويفرك عينيه بخفيه.. ثم أنكفأ على الأرض يتمرغ فيها لعلها تذهب الألم الذي استقر في عينه من أثر حجر الطفل الصغير. فلما رأته الجموع متمرغا على الأرض اندفعوا تجاهه ليخطفوا الرجل المستلقي تحت قدميه.. ولكن الجمل عاود النهوض من جديد فارتدوا على أعقابهم هاربين وعاود الجمل الدوران حول نفسه.. ثم سقط على الأرض من جديد وأخذ يضرب بكلتى قدميه الأرض بكل ما يملك. وظل هكذا حتى خارت قواه وأصبح طريح الأرض لا يستطيع حراكا ً.. فانطلق رجال القرية واستنقذوا صاحبهم وهو في الرمق الأخير. ثم تقدموا إلى الجمل فأوثقوه بالحبال وأحكموا وثاقه وهم لا يصدقون أنفسهم أنهم قد تخلصوا من هذا الكابوس المفزع.. وبات أهل القرية وهم غير مصدقين أنهم تخلصوا من هذا الجمل العقور. ولكن وآسفاه لم تكد تشرق صباح اليوم التالي من جديد وتلقى أشعتها على البيوت حتى ذهل أهل القرية من منظر أفقدهم صوابهم وجعلهم يصرخون كصراخهم الأول.. بل أشد. مجموعة من الرجال يسيرون في صفوف منتظمة ويحملون صورة الجمل فوق رؤوسهم ويدورون بها في الشوارع والطرقات وهم يصيحون ويهتفون: "مظلوم يا جمل مظلوم" | |
|